فن النحت بين الواقعية والتحريم

28-03-2013 11:35

ان قدم فن النحت أقدم من التاريخ المسجل. فهو فن ملازم للبشرية منذ بدء الخليقة، فقد عثر علماء الأثار على عينات من عظام وقرون الحيوانات المنحوتة صنعها الأنسان خلال العصر الحجري، فقد كانت المنحوتات ذات أحجام صغيرة ومجسمة، نفذت من الأحجار والعظام والخشب، ونقشت على جدران المغاور مباشرة، أو على أحجار مسطحة وذلك لأغراض طقوسية أو تعاويذ أو معتقدات دينية.

وترجع الآثار الأولى للفن البدائي إلى العصر الحجري المتأخر، أي تقريبا بين 40 ألف إلى 20 ألف عام قبل الميلاد. وكانت للفن بين الشعوب البدائية علاقة مباشرة بالعمل، ولكن هذه العلاقة أصبحت بعد ذلك أكثر تعقدا وتوسطا. وتكمن وراء التطورات اللاحقة في الفن التغيرات التي طرأت على البنيان الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع. ويلعب الشعب دائما دورا كبيرا في تطور الفن. وتدعم الروابط المختلفة التي تربطه بالشعب في واحد من ملامحه المحددة، هو الطابع القومي. وتوجد أشياء كثيرة مشتركة بين الفن – كشكل من أشكال الانعكاس الوجود الاجتماعي – وبين المظاهر الأخرى لحياة المجتمع الروحية: مثل العلم والتكنولوجيا والايديولوجية السياسية، والاخلاقيات. وفي الوقت نفسه فإن للفن عددا من الملامح المحددة التي تميزه عن كل أشكال الوعي الاجتماعي الأخرى. وعلاقة الإنسان الجمالية بالواقع هو الموضوع المحدد للفن، ومهمته هي التصوير الفني للعالم، ولهذا السبب فإن الإنسان – باعتباره حاملا للعلاقات الجمالية – يكون دائما في المركز من أي عمل فني. وموضوع الفن (الحياة في كل أشكالها المتعددة) الذي يسيطر على الفنان، ويعرضه في شكل معين من الانعكاس – أي في صور فنية تمثل الوحدة النفـّاذة للحسى والمنطقي، المحسوس والمجرد، الفردي والكلي، المظهر والجوهر وهكذا. ويخلق الفنان الصور الفنية على أساس من معرفته بالحياة ومن مهارته. ويحدد موضوع وشكل انعكاس الواقع في الفن وطبيعته النوعية – وهي إشباع حاجات الناس الجمالية عن طريق ابداع أعمال جميلة يمكنها أن تجلب السعادة والبهجة للإنسان، وأن تثريه روحيا وأن تطور وتوقظ فيه في نفس الوقت الفنان القادر، في المجال المحسوس لجهده، على أن يخلق طبقا لقوانين الجمال، وأن يعرفنا على الجمال في الحياة. وعن طريق هذه الوظيفة الجمالية يعرض الفن أهميته المعرفية ويمارس تأثيره الايديولوجي والتربوي القوي.

وبرغم ذلك ظهرت وانتشرت افكار تحريم الفن في مصر و وصلت الى ذروة خطيرة... بعدما كشفت التحقيقات الصحافية المتوالية في المجلات المصرية، ان اساتذة كثر في كليات الفنون الجميلة وطلابهم باتوا يميلون ايضا الى القول ان الرسم والنحت حرام، ولنفاجأ بسيدة منتقبة تهاجم متحف الفنان حسن حشمت مسلحة بسكين وتهدد الحارس بنحره ثم تقوم بتدمير اربعة من اعماله وهي تصيح بأن التماثيل حرام يا كفرة!!

وبالأمس القريب تم تفجير تمثال بوذا في افغانستان على ايدي طالبان باسم الاسلام وقولها بتحريم الاصنام وتدرعها بان العديد من البوذيين ياتون لزيارة هذا الصنم، ولقد أفتى الشيخ "القرضاوي" بعدم هدم تماثيل بوذا في أفغانستان و طار ليقنع طالبان بالتوقف عن ذلك. كما قال تعليقاً عن هدم طالبان للتماثيل: لقد التقى الوفد الإسلامي خلال الزيارة بعلماء طيبين لكنهم يعيشون في الماضي ولا ينتمون للحاضر ولا يعرفون شيئًا عن العصر ومشكلاته ولا زالوا يعتمدون على الكتب التراثية الصفراء القديمة وأقوال المتأخرين في المذهب الحنفي ولا يعتمدون كثيرًا علي مقاصد الشرع وقواعد الفقه.

وقد علق على ذلك بقوله: "الفقه ليس مجرد حفظ الحواشي والمتون إنما هو النظر إلى مآل الأشياء وما يترتب على العمل بها. ولكن العلماء الشباب هناك – كما قال- كانوا أكثر تفهم لمنطقنا من الشيوخ، وقالوا لنا: نحن في حاجة إليكم فلا تتركونا؛ فنحن لا نملك أي تجربة".

إن ما فعلته "طالبان يعتبر جريمة ضد الثقافة وتدمير لتراث الشعب الأفغاني وكذلك تراث البشرية جمعاء.

كما فاجئتنا الأحداث بجريمه انسانيه أخرى حيث اقدمت مجموعه مسلحه في مدينه معره النعمان بقطع راس تمثال الشاعر والفيلسوف والاديب العربي "ابو العلاء المعري"، ان هؤلاء الجهلاء بفعلتهم هذه لا يقطعون راس تمثال ولكنهم يقطعون  راس الحضارة الإسلامية نفسها ان هؤلاء هم اعداء للتاريخ ووصلت بهم الكراهيه لان يدمروا الحضاره الاسلاميه نفسها . 

وفي الوقت الذي حلق فيه العالم بأجنحة العلم والتحديث حتى إستطاع "بفضوله" إرتياد كوكب "المريخ", وإكتشاف الخرائط الجينية, إختار هذا الفكر المأزوم أن يُراهن على "الماضي" لسد أفق "المستقبل".

وفي هذا المقام المؤلم لا يسعنا سوى الاستعانة بكلمات قديمة لرجل بالغ الاحترام يقول فيها: "لئن يكن معظم الناس عميا ازاء الفن، فذلك لأنهم تعلموا النظر اليه بعيدا عن قرينته". وقرينة الفن الصحيحة هي الحياة الانسانية نفسها، انه الكفاح من اجل خلق انسان اوفر حكمة وسعادة فاذا نظرنا الى الفن بصحبة هذه القرينة، كان الفن نورا لا ظلاما. وتحريم الفنون الرفيعة على اساس ديني اذن. أو غير ديني. هو تحريم للحياة نفسها.

ولهذا فان تداعيات تحليل أو تحريم التماثيل أبعد كثيرا من مجرد صناعتها وبيعها،فعمق الموضوع يتخلل كل مناحي الحياة ، وطرق التفكير ، وأسلوب العيش . ولا يمكن لنا النقوص إلى الوراء .